بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية استحوذ الأمريكيين على الكثيرمن كنوزها وان كان ابرز ما استحوذوا عليه يتمثل في مخرجات البحث العلمي الألماني
الشاهد ان الاميركيين وجدوا انفسهم هنا امام مشكلة تتمثل في ان الألمان توصلوا لنتائج مدهشة ومتقدمة تشكل ثروة علمية كبيرة لكن المشكلة كانت في الوسائل الذي استخدمها الألمان في التوصل الى هذه النتائج والتي نستطيع ان نقول عنها انها لم تراعي اخلاقيات البحث العلمي
هنا ظهر سؤال يقول
هل من الاخلاقي ان نستخدم بحوث علمية تمت بطريقة غير اخلاقية .؟
خصوصا اذا ما عرفنا مقدار البشاعة التي تمت بها التجارب التي قادت الى هذه الكشوف العلمية
نحن هنا أمام سؤال مشابه يقول
نحن كأي مجتمع معاصر يمتلك عددا لا بأس به من المشاكل الاجتماعية والفكرية تمتد بامتداد الوطن العربي وفي نفس الوقت يوجد طبقة متعلمة تمارس النقد لهذه الظواهر السلبية كمحاولة لتصويب مسار المجتمعات العربية طبعاً هذا النقد في حقيقته يأخذ مقياس الصواب والخطأ في بناء توصيفه للظواهر السلبية محل النقد ولكن "و هنا السؤال" هل هذا النقد له معيار أخلاقي تحتكم له آلية النقد بغض النظر عن احتمالية الصواب والخطأ فيه
لو نظرنا لحديثنا السابق عن ألمانيا سنجد ان الذي وضع العديد من علامات الاستفهام حول مخرجات البحث العلمي الألماني لم تكن نتائجه ولكن كانت تكمن في عدم التزام الباحثين الألمان بأخلاقيات البحث العلمي
طيب
هل النقد للظاهرة الاجتماعية أو الفكرية له أخلاقيات يجب مراعاتها أم أن الاعتبار الوحيد يعود لصواب هذا النقد أو خطأه .؟
في الحقيقة أننا لو نظرنا إلى أخلاقيات البحث العلمي وعلاقتها بالعلم على ضوء مثالنا السابق عن ألمانيا سنجد ان العلم اقل اعتمادية من النقد على الضابط الأخلاقي بمعنى
ان العلم يمتلك من الأدوات ما يمكنه الى التوصل الى نتائج دقيقة حتى في ظل غياب الضابط الأخلاقي
على العكس من هذا نجد ان النقد كأحد وسائل بناء الوعي شديد الاعتمادية على الضابط الأخلاقي والسبب في هذا يعود الى ان النقد في حقيقته احد أشكال التفكير الحر الخاضع لحسابات المشاهدة والاستنتاج أكثر من خضوعه للقياس والتجربة
من هنا نصل الى حقيقة ان العلم لا يكتسب صفته من نتائجه فقط ولكن أيضا من خضوعه للضابط الأخلاقي مع ملاحظة ان العلم قادر على تقديم تصورات دقيقة عن الظاهرة التي يدرسها حتى حال غياب هذا الضابط الأخلاقي
في نفس الوقت الذي نقول فيه ان النقد يفقد صفته اذا ما افتقد للضابط الأخلاقي مع التشديد ان النقد لا يستطيع من الأساس على تقديم أي تصور رصين حال غياب هذا الضابط الأخلاقي له
______________________
هنا من الطبيعي جدا ان نجد أنفسنا أمام سؤال يستفهم عن ماهية هذا الضابط الأخلاقي والذي يحتاجه النقد حتى يكتسب صفة الأخلاقية
1 – وحدة المنطلقات ووضوحها
عندما نتبنى رأيا ناقدا لأي ظاهرة اجتماعية او فكرية فأننا في الحقيقة نقيس هذه الظاهرة على ثوابت نجد فيها انها السبيل الأكثر استقامة على سبيل المثال
انا عندما انتقد السفور فأنا هنا لا أمارس نوعا من البطرة الفكرية لا أبدا كل ما في الموضوع أنني أقيس هذه الظاهرة "السفور " على الثابت الذي أؤمن به "الإسلام"
هذه الثوابت او المنطلقات سمها ما شئت تأخذ أكثر من شكل فقد تكون ثوابت دينية او اخلاقية او عقلية او وطنية ...الخ
أيضا فأن هذه الثوابت تأخذ في العادة شكل المنظومات المتكاملة أي أنها لا تعالج قضايا فردية ولكنها تقدم تصورا شموليا
في مثالنا السابق قلنا إن الإسلام يرفض السفور ولكن الإسلام لا يقتصر على هذا الرفض ولكنه منظومة متكاملة تغطي معظم مناحي الحياة
هنا يظهر احد أهم العوامل التي تفقد النقد لبعده الأخلاقي وهي إن الإنسان الذي يقدم نقدا لظاهرة معينة يفترض به ان ينطلق في بناء نقده هذا من ثابت معين فعندما نجد ان هذا الناقد يتجاهل مظاهر اجتماعية أكثر تصادما مع هذا الثابت فأن هذا السلوك يفقد النقد بعده الأخلاقي إلى حد كبير بالضبط مثل ما نجده في إعلامنا العربي
الإعلام العربي يمارس النقد ضد كثير من المظاهر الاجتماعية والفكرية ويصمت عن كثير مع ان كل هذه الظواهر الاجتماعية المتحدث عنها و المسكوت عنها تتعارض مع منطلقات النقد التي يتبناها الإعلام العربي
بالنسبة لي لا أثق كثيراً في نقد إعلامي لظاهرة التسول ينطلق من منطلقات وطنية في نفس الوقت التي الذي تصمت فيه نفس وسائل الإعلام هذه عن الفساد السياسي الذي يتصادم مع المنطلقات والثوابت الوطنية بشكل أكثر سفورا وقبحا.
2- التعميم
التعميم احد أهم المظاهر التي تفرغ النقد من مضامينه الأخلاقية وتحوله الى شيء يشبه السباب والردح
طبعا لا أحتاج لجهد كبير حتى أبين لما يعتبر التعميم شيئاً قبيحا يكفي ان تتخيل أحد كتاب الغفلة وهو يجعر على شعب كامل ويتهمه بأنه كذا وكذا بسبب بعض السلوكيات الفردية تحت ذريعة كثرة ظهور هذا السلوك فيهم
3- تجرد النقد
في كثير من الأحيان "مع الأسف الشديد" نجد من يتخذ من الهم العام مطية من اجل تحقيق مصالح شخصية ضيقة فهو ناقد للبطالة حتى يعمل ابنه وهو ناقد للدولة حتى يصبح مسؤولاً كبيرا وهو ناقد للوزارات حتى تمشي معاملته بل ان هناك من هو ناقد متخصص في شؤون النساء نفسك مره يغلط وينتقد رجل لكن معصي
طبعا هذه العينات من أشباه البشر من الصعب عيها ان تقدم نقدا منضبطا بضابط الأخلاق
ـــــــــــــــــــــــ
ختاما أقول
من الصعب جدا ان نحدد جميع العناصر التي توضح اخلاقيات النقد وفي الحقيقة نحن لا نحتاج الى هذا ولكن كل الذي نحتاج ان نعرفه هو ان النقد المنضبط بضابط الاخلاق لا يمكن له الا ان يصدر من ضميرا حي وإلا كانت النتيجة ما نراه الان.
الإثنين نوفمبر 18, 2024 3:49 pm
